د / كمال مغيث
kmougheeth@yahoo.com
ملايين الضحايا، تزيد اعداد القتلى عن 300 الف قتيل، ومايزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ، ومئات الالاف من حالات الاغتصاب وابشع انواع الانتهاكات،
يقول عنها تقرير اللجنة الدولية – كما ذكر كوفى عنان – " ان التقرير ليوضح بما لا يدع مجالا للشك ان السنتين الاخيرتين لم تكونا لاخوتنا فى الانسانية فى دارفور شيئا اقل من الجحيم على الارض، كما يصفها بانها اكبر مجزرة بشرية منذ الحرب العالمية الثانية "
ويذكر الباقر العفيف، فى بحث بعنوان: " ماوراء دارفور الهوية والنزاعات الاهلية فى السودان" تلك الشهادة الحية، اذ تذكر" خديجة" وهى تقف بجانب ركام قريتها المدمرة، وتصف المشهد الذى خلفه الجنجويد" وجدت جثة طفلى ذى الاربع سنوات ملقاة فحملتها وذهبت ابحث عن طفلى الاخرين فوجدتهما مقتولين داخل المدرسة، حيث كانا يختبئان، كان هناك عدد يصعب حصره من جثث الاطفال القتلى الملقاة امام المدرسة"
ومع ذلك فاننا هنا فى مصر لانعلم عن تلك المحنة الكثير،
كان هذا موضوع الندوة التى حضرتها هذا الاسبوع فى الخرطوم بدعوة من التحالف العربى من اجل دارفور، ومركز الخاتم عدلان للاستنارة، وعلى مدار ثلاثة ايام راحت ابعاد المأساة تتكشف امامنا، والتى يمكن هنا الاشارة الى بعضها، ومنها استمرار معاناة الملايين من سكان دارفور فى المخيمات وخارجها فى ظل ظروف لا تفى بضرورات العيش فضلا عن العيش الكريم، تلك المعانة التى ذادتها الحكومة بطردها ثلاث عشرة منظمة غربية كانت تعمل فى مجال تقديم الدعم فى مجالات الغذاء والعلاج والتاهيل النفسى والتربوى للمشردين وضحايا العنف، بحجة ان تلك المنظمات قد تجاوزت الدور المسموح لها، والكل يعرف ان هدف الحكومة من وراء إبعاد تلك المنظمات كان التغطية على الدور الحكومى المشبوه فى الازمة وقطع الطريق امام العالم الخارجى عن معرفة واقع الحال فى دارفور0
ولقد عهدت الحكومة الى الجمعيات الوطنية السودانية للقيام بدور الجمعيات الدولية المطرودة، ولكن اكد المتحدثون فى المؤتمر ان تلك الجمعيات – وتبلغ حوالى 45 جمعية - لاتملك خبرات وكفاءة المنظمات الدولية ممازاد الوضع تفاقما، ومثل هذا العدد من الجمعيات ليست جمعيات بالمعنى المعروف وانما هى مجرد اسم وشخص، بلا مكتب من الاساس" الجمعية الحقيبة"0
وبمناسبة الدور العالمى المساند للناس فى محنتهم القاسية، عبر العديد من المتحدثين عن خيبة املهم الشديدة فى رد الفعل العربى، سواء من قبل الحكومات العربية، او منظمات المجتمع المدنى العربى، فبينما اقامت الحكومات العربية والمنظمات الاهلية الدنيا ولم تقعدها، عندما حدث العدوان الاسرائيلي على غزة، فانهم جميعا لم يمنحوا محنة دارفور سوى الصمت المطبق والتجاهل التام الذى يصل الى حد التواطؤ
ويذكر بعض المتحدثين ان حقائق الوضع فى دارفور تغيب عن المواطنين السودانيين انفسهم بسبب رغبة الحكومة فى التعتيم على الوضع هناك من خلال رقابتها الصارمة على الصحف،
ولاشك ان المجال هنا يضيق عن تناول اسباب وتطورات المحنة، وهى محنة معقدة على كل المستويا تلعب فيها الصراعات العرقية والقوى الدولية والاهمال والاستغلال الحكومى دورا اساسيا، وانما هناك اتفاق بين المتحدثين على ان اقليم دارفور بتركيبته القبلية المعقدة قد عانى من الاهمال الحكومى منذ الاستقلال، فى نفس الوقت الذى دمرت فيه سلطة الدولة السلطات العرفية والتقليدية للقبائل والتى كانت تقوم بحل مشكلات الناس حلا عرفيا مقبولا من الجميع ، وعندما راحت مجموعات من شباب بعض القبائل تستعد للمطالبة بحقوقهم فى العدالة والتنمية والديمقراطية، فان حكومة البشير قد راحت تستغل الصراعات القبلية والعرقية وتقوم بتسليح قبيلة" الجنجويد" العربية لتتولى قمع وقتل المطالبن بالعدل من عشرات القبائل العربية والافريقية: زغاوة، مساليت، زرقة، فور،السلامات، الميدوب، البرتى، البقارة، الرزيقات، الزيادية، المعاليا، بنى هلبة، هبانية، محاميد، بنى فضل، العطيفات، الفلاتة،التعايشية، البرقد، القمر،.. وغيرهم كثير0
ان السبب الرئيسى والذى نسج تلك المحنة، هو استبداد الحكومة المركزية فى الخرطوم، وفسادها عبر عصورها المختلفة – الا ما ندر- منذ استقلال الدولة سنة 1956، وفضلا عن احتكار تلك السلطة للثروة، فإنها قد فشلت فى صياغة مشروع حداثى يعتمد مفهوم المواطنة والديمقراطية، وقد كان هذا هو المشروع الوحيد الاوحد الكفيل بان يضع ماتحتوية السودان من ثراء عرقي ولغوي وديني – حوالى 130 لغة، واكثر من 500 قبيلة وعشرات الاديان- فى اطار مشروع وطنى يجعل الانتماء للوطن هو الاصل والقاعدة ويجعل الانتماءات العرقية والدينية انتماءات ثانوية تزيد الحياة ثراءا وجمالا،
وبدلا من ذلك الحل الوحيد راح النميرى يسعى لتجديد استبدادة المقيت برفع شعار تطبيق الشريعة الاسلامية سنة 1983 وهو الامر الذى ادى الى تأجيج الصراع فى جنوبالسودان، كما ان ماترفعه حكومة الانقاذ الحالية من شعارات دينية تلقى على نار الصراع فى دارفور مزيدا من الزيت، وبعد عشرين شهرا سيكون لجنوب السودان موعد مع استفتاء يتقرر فيه اما الانفصال عن السودان او البقاء فى ظل حكومة فيدرالية0
غير ان التساؤل الاهم هنا : كيف تسعى الحكومات المستبدة فى سبيل احتكار السلطة والثورة،الى دفع ثمنا فادحا حتى ولو كان ذلك الثمن هو التضحية بالاوطان ذاتها، ورميها فى اتون صراعات دينية وعرقية تاتى على الاخضر واليابس ويكتوى بنارها الناس الذين يسعون للحياة فى امن وسلام
kmougheeth@yahoo.com
ملايين الضحايا، تزيد اعداد القتلى عن 300 الف قتيل، ومايزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ، ومئات الالاف من حالات الاغتصاب وابشع انواع الانتهاكات،
يقول عنها تقرير اللجنة الدولية – كما ذكر كوفى عنان – " ان التقرير ليوضح بما لا يدع مجالا للشك ان السنتين الاخيرتين لم تكونا لاخوتنا فى الانسانية فى دارفور شيئا اقل من الجحيم على الارض، كما يصفها بانها اكبر مجزرة بشرية منذ الحرب العالمية الثانية "
ويذكر الباقر العفيف، فى بحث بعنوان: " ماوراء دارفور الهوية والنزاعات الاهلية فى السودان" تلك الشهادة الحية، اذ تذكر" خديجة" وهى تقف بجانب ركام قريتها المدمرة، وتصف المشهد الذى خلفه الجنجويد" وجدت جثة طفلى ذى الاربع سنوات ملقاة فحملتها وذهبت ابحث عن طفلى الاخرين فوجدتهما مقتولين داخل المدرسة، حيث كانا يختبئان، كان هناك عدد يصعب حصره من جثث الاطفال القتلى الملقاة امام المدرسة"
ومع ذلك فاننا هنا فى مصر لانعلم عن تلك المحنة الكثير،
كان هذا موضوع الندوة التى حضرتها هذا الاسبوع فى الخرطوم بدعوة من التحالف العربى من اجل دارفور، ومركز الخاتم عدلان للاستنارة، وعلى مدار ثلاثة ايام راحت ابعاد المأساة تتكشف امامنا، والتى يمكن هنا الاشارة الى بعضها، ومنها استمرار معاناة الملايين من سكان دارفور فى المخيمات وخارجها فى ظل ظروف لا تفى بضرورات العيش فضلا عن العيش الكريم، تلك المعانة التى ذادتها الحكومة بطردها ثلاث عشرة منظمة غربية كانت تعمل فى مجال تقديم الدعم فى مجالات الغذاء والعلاج والتاهيل النفسى والتربوى للمشردين وضحايا العنف، بحجة ان تلك المنظمات قد تجاوزت الدور المسموح لها، والكل يعرف ان هدف الحكومة من وراء إبعاد تلك المنظمات كان التغطية على الدور الحكومى المشبوه فى الازمة وقطع الطريق امام العالم الخارجى عن معرفة واقع الحال فى دارفور0
ولقد عهدت الحكومة الى الجمعيات الوطنية السودانية للقيام بدور الجمعيات الدولية المطرودة، ولكن اكد المتحدثون فى المؤتمر ان تلك الجمعيات – وتبلغ حوالى 45 جمعية - لاتملك خبرات وكفاءة المنظمات الدولية ممازاد الوضع تفاقما، ومثل هذا العدد من الجمعيات ليست جمعيات بالمعنى المعروف وانما هى مجرد اسم وشخص، بلا مكتب من الاساس" الجمعية الحقيبة"0
وبمناسبة الدور العالمى المساند للناس فى محنتهم القاسية، عبر العديد من المتحدثين عن خيبة املهم الشديدة فى رد الفعل العربى، سواء من قبل الحكومات العربية، او منظمات المجتمع المدنى العربى، فبينما اقامت الحكومات العربية والمنظمات الاهلية الدنيا ولم تقعدها، عندما حدث العدوان الاسرائيلي على غزة، فانهم جميعا لم يمنحوا محنة دارفور سوى الصمت المطبق والتجاهل التام الذى يصل الى حد التواطؤ
ويذكر بعض المتحدثين ان حقائق الوضع فى دارفور تغيب عن المواطنين السودانيين انفسهم بسبب رغبة الحكومة فى التعتيم على الوضع هناك من خلال رقابتها الصارمة على الصحف،
ولاشك ان المجال هنا يضيق عن تناول اسباب وتطورات المحنة، وهى محنة معقدة على كل المستويا تلعب فيها الصراعات العرقية والقوى الدولية والاهمال والاستغلال الحكومى دورا اساسيا، وانما هناك اتفاق بين المتحدثين على ان اقليم دارفور بتركيبته القبلية المعقدة قد عانى من الاهمال الحكومى منذ الاستقلال، فى نفس الوقت الذى دمرت فيه سلطة الدولة السلطات العرفية والتقليدية للقبائل والتى كانت تقوم بحل مشكلات الناس حلا عرفيا مقبولا من الجميع ، وعندما راحت مجموعات من شباب بعض القبائل تستعد للمطالبة بحقوقهم فى العدالة والتنمية والديمقراطية، فان حكومة البشير قد راحت تستغل الصراعات القبلية والعرقية وتقوم بتسليح قبيلة" الجنجويد" العربية لتتولى قمع وقتل المطالبن بالعدل من عشرات القبائل العربية والافريقية: زغاوة، مساليت، زرقة، فور،السلامات، الميدوب، البرتى، البقارة، الرزيقات، الزيادية، المعاليا، بنى هلبة، هبانية، محاميد، بنى فضل، العطيفات، الفلاتة،التعايشية، البرقد، القمر،.. وغيرهم كثير0
ان السبب الرئيسى والذى نسج تلك المحنة، هو استبداد الحكومة المركزية فى الخرطوم، وفسادها عبر عصورها المختلفة – الا ما ندر- منذ استقلال الدولة سنة 1956، وفضلا عن احتكار تلك السلطة للثروة، فإنها قد فشلت فى صياغة مشروع حداثى يعتمد مفهوم المواطنة والديمقراطية، وقد كان هذا هو المشروع الوحيد الاوحد الكفيل بان يضع ماتحتوية السودان من ثراء عرقي ولغوي وديني – حوالى 130 لغة، واكثر من 500 قبيلة وعشرات الاديان- فى اطار مشروع وطنى يجعل الانتماء للوطن هو الاصل والقاعدة ويجعل الانتماءات العرقية والدينية انتماءات ثانوية تزيد الحياة ثراءا وجمالا،
وبدلا من ذلك الحل الوحيد راح النميرى يسعى لتجديد استبدادة المقيت برفع شعار تطبيق الشريعة الاسلامية سنة 1983 وهو الامر الذى ادى الى تأجيج الصراع فى جنوبالسودان، كما ان ماترفعه حكومة الانقاذ الحالية من شعارات دينية تلقى على نار الصراع فى دارفور مزيدا من الزيت، وبعد عشرين شهرا سيكون لجنوب السودان موعد مع استفتاء يتقرر فيه اما الانفصال عن السودان او البقاء فى ظل حكومة فيدرالية0
غير ان التساؤل الاهم هنا : كيف تسعى الحكومات المستبدة فى سبيل احتكار السلطة والثورة،الى دفع ثمنا فادحا حتى ولو كان ذلك الثمن هو التضحية بالاوطان ذاتها، ورميها فى اتون صراعات دينية وعرقية تاتى على الاخضر واليابس ويكتوى بنارها الناس الذين يسعون للحياة فى امن وسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق